الفرصة الأخيرة
تأليف الأديب:جنيد سعاوي
ترجمة:أور خان محمد علي
منذ صغري وأنا أكره الأماكن الضيقة .... هذه الأماكن تجعلني أحس بالاختناق ... لذا كنت ولا أزال أهرب منها وابتعد عنها وأنا ارتجف من الضيق ومن الخوف .
عندما كبرت علمت أن هذا مرض من الأمراض النفسية .... ولكنني لم استطع الشفاء منه ولا التخلص من براثنه .
ولكن ها أنا ذا أدخل مكانا من هذه الأمكنة الضيقة دون إرادة مني ... أدخله مضطرا وعلى رغمي .
كانوا قد لفوني ووضعوني في تابوت طويل وضيق ... كنت اسمع جيدا أصوات من حولي .... ومع أنني كنت مغمض العنين ، إلا أنني – بطريقة ما – كنت استطيع رؤيتهم ... كانوا يقولون :
- يا للمسكين ! ... لقد مات في عز شبابه .... لقد كانت له آمال عريضة وأعمال لم يتمها ولم ينجزها .
كانت هناك فعلا أعمال عديدة لي بقيت ناقصة تنتظر مني انجازها ... فمثلا لم استطع فتح محل جديد لإبني ، كما لم أنته من دفع الأقساط للسيارة وللتليفزيون الملون ، كما أصبح أملي في إنشاء شركة كبيرة في المستقبل أجمع فيها الأصدقاء أملا بعيدا . ومع أن الشتاء أصبح على الأبواب ، إلا أنني لم أكن اشتريت بعد الفحم والحطب لمدفأة البيت ، كما لم أصلح أماكن نصوح المياه في سقف البيت .
وبينما كنت استعرض في ذهني الأعمال التي بقيت ناقصة تنتظر مني إنجازها فوجئت بصوت يرن في أذني .... صوت وجل منه روحي ، ونفذ إلى أعماق عقلي وتردد صداه هناك ..... كان كأنه صادر عن مكبر للصوت :
- لقد فات ذلك وانقضى !
وبحسرة قلت في نفسي :" ليته لم يفت ولم ينقض " .
لا أدري كيف وقع لي ذلك الحادث .... كيف وقع مع أنني أجيد قيادة السيارة.
وبينما كنت أحاول أن استجمع في ذهني ما حدث أحسست ان أصدقائي يحيطون بي ويحاولون غلق غطاء التابوت الذي أتمدد فيه دون حراك .... ومع أنني حاولت أن اصرخ بكل قوتي وأن أنهض من مكاني لأمنعهم من ذلك إلا أنني فشلت وعجزت .... إذ لم أستطيع الحركة ولا التفوه بأي كلمة .
بعد قليل جثم علىّ ظلام كثيف ... حولت بصري إلى شقوق التابوت التي كان يتسلل عبرها ضوء قليل ..... وفي فزع لا يوصف قلت لنفسي :
- يا الهي !... يا الهي !... ماذا ستكون حالي الآن ؟... ما العمل ؟
كنت عاجزا عن التفكير من شدة الفزع .
في هذه الأثناء حُملت على الأكتاف .... وبدأوا يسيرون ببطء....كان التابوت يهتز قليلا .... وكان من الواضح من الأصوات التي كانت تصلني من الخارج أن المطر ينهمر... كان صوت قطرات الماء يختلط مع صوت صرير خشب التابوت .
لاشك أنهم الآن في طريقهم إلى الجامع لأداء صلاة الجنازة ....عندما خطر بب إلى الجامع تذكرت انه مع كونه قريبا جدا من داري ، وعلى رغم ندائه المتكرر ودعوته للصلاة خمس مرات كل يوم فإنني لم أجد متسعا من الوقت للذهاب اليه .... ولكنني كنت عازما على البدء بالصلاة عند بلوغي سن الخمسين .... الكل يعرف هذا .... لقد قلت ذلك مرارا لأصدقائي.... نعم كنت سأبدأ بالصلاة ، وكنت سأترك كذلك عاداتي السيئة التي كان الكثيرون يشكون منها .
أجل !.... أجل !.... لولا هذا الحادث لأصبحت في المستقبل شخصا جيدا .... لولا هذا الحادث .